السبت، 1 يناير 2011

تلوث الهواء


 
ابحاث بيئية



تلوث الهواء

تعيش الكائنات المختلفة في طبقة رقيقة تحيط بالكرة الأرضية تسمى بالغلاف الجوي ( Biosphere ) ، ولهذا الغلاف أهمية كبيرة ليس فقط لأنه الوسط الذي تعيش فيه وتتكاثر الكائنات الحية ، وإنما لأنه يشكل أيضاً المكان الذي تجري فيه التغيرات الأساسية الفيزيائية والكيميائية التي تطرأ على المواد غير الحية من الكرة الأرضية. هذا الغلاف الحيوي الذي نعيش بين أحضانه ونتنفس من هوائه ، تعاني أجزاؤه المختلفة الأرضية والمائية والهوائية من التلوث في الوقت الحالي . وقد عمت آثار التلوث أقطار العالم قاطبة ، وهددت مخاطرها البشر في مختلف البقاع. 

لقد بينت الدراسات والأبحاث أن تلوث الهواء يهدد حياة البشرية والكائنات الحية الأخرى ، وأنه بالرغم من كل الجهود التي بذلت على مر السنين الماضية للحد من تدهور البيئة فإن الوضع البيئي الآن أسوأ منه قبل عشرين سنة بالرغم من بعض الإنجازات الخاصة بالحد من التلوث في الدول الصناعية.
لقد عمت آثار التلوث البيئي أقطار الأرض جميعها ، وهددت مخاطره البشر في مختلف البقاع في الشمال والجنوب ،فقد أدت الزيادة الهائلة في عدد السكان والتضخم الصناعي والزراعي في القرن العشرين ، وعدم اتباع الطرق المناسبة في معالجة مصادر التلوث، وانعدام الإدارة البيئية الرشيدة والتخطيط السليم في استغلال الموارد الطبيعية وتسيير المشاريع الصناعية والزراعية الضخمة، إلى الإخلال بالأنظمة البيئية وتلوث عناصر البيئة الرئيسية كالأرض والهواء والمياه، واستنزاف الموارد الطبيعية.
ومن الممكن اعتبار تلوث الهواء واستنزاف الموارد الطبيعية من أهم المشاكل البيئية التي يواجهها العالم في هذا العصر ، ولا سيما إذا علمنا أنه نتيجة لدورة الهواء العامة أصبح التلوث ظاهرة عالمية تشمل كامل الطبقة السفلى من الغلاف الجوي وأن حوالي سدس سكان العالم يتنفسون حالياً هواء ملوثاً.
لقد برزت هذه المشكلة بشكل كبير في النصف الأخير من القرن العشرين نتيجة للتقدم العلمي الهائل وما رافقه من تطور في التقنية وزيادة هائلة في عدد السكان ، والاعتقادات الخاطئة بأن الهواء ملك مشاع وعلى كل فرد أو مجموعة من الأفراد أن تستغله لأغراضها الذاتية دون الأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين، وطغت مشكلة التلوث في الوقت الحاضر على التفكير الإنساني عامة، حتى خيل للكثير من الناس أن مشكلة تلوث الهواء هي المشكلة البيئية الوحيدة التي يعاني منها عالمنا المتمدن في الوقت الحاضر . لأنها تتحدى بالفعل الإنسان وقدراته ، وتفوق أحياناً طاقته ، وتقاوم كل علاج أو محاولة للتخلص منها.
وليس تلوث الهواء ظاهرة حديثة العهد، وإن كانت حديثة الانفجار ، فهي من الظواهر التي يرجع عمرها إلى عمر الحضارات القديمة ، حيث بدأت هذه الظاهرة منذ أن عرف الإنسان النار واستخدامها لصهر المعادن والطهي والإنارة والتدفئة وحرق الغابات الطبيعية التي تحيط به ، لحماية نفسه من الحيوانات المفترسة والأعداء، وبالرغم من ذلك فان حجم المشكلة كان محدوداً جداً ولا يتعدى الكهف ، الذي يعيش فيه الإنسان البدائي ، أو المساحة المحدودة من الغابة التي يقطن بجوارها، لأن البيئة كانت قادرة بقواها الذاتية على امتصاص التلوث واحتوائه وتنقية ذاتها بذاتها، مادامت حالة التلوث الناتجة محدودة في كميتها وعناصرها، إذا ما قيست بالكمية والنوعية الناتجة منذ عصر الثورة الصناعية حتى الآن ،،، ومع أن هذه المشكلة بقيت ضئيلة لفترة طويلة من الزمن فإنها كبرت وتضخمت ببطء ، وبدأت تتضح في العصور الوسطى ، وتتفاقم بشكل سريع ، نتيجة الثورة الصناعية والانفجار السكاني وزيادة معدلات نمو المدن الصناعية ، ولكنها لم تظهر على المستوى العالمي بصورة ملحة إلا في الستينات من القرن الماضي ، لأن هذه الملوثات الملقاة في الجو قد تضاعفت خلال هذه القترة.
لقد أدرك أجدادنا العرب من القدم أهمية تلوث الهواء وأثره على المجتمع وضرورة حماية البيئة والمحافظة عليها ، ولعل ما أشار إليه العلامة الكبير أبن خلدون ، في مقدمته الشهيرة ، خير دليل على ذلك ، حيث قال " إن الهواء إذا كان راكداً أو مجاوراً للمياه الفاسدة أو لمناقع متعفنة أو لمروج خبيثة أسرع إليها العفن من مجاورتها ، فأسرع المرض للحيوان الكائن فيه لا محالة ، وهذه مشاهدة في المدن التي لم يراع فيها طيب الهواء وهي كثيرة الأمراض في الغالب ". وشعر الإنسان منذ القدم بأهمية إصدار التشريعات وسن القوانين التي تحد من تلويث الهواء ولعل أول القوانين التي اتخذت في هذا المجال كانت في لندن عام 1273 ف عندما أصدر الملك إدوارد الأول قانوناً يمنع استعمال الفحم منعاً لتلوث الهواء ، وقد جرى إعدام أحد الرجال في العصور الوسطى لحرقه الفحم ، ثم تكونت في إنجلترا فيما بعد بين الأعوام 1285-1310 ف أربع هيئات لدراسة تلوث الهواء الذي نجم عن التحول من استخدام الحطب إلى الفحم في أفران صناعة الجير . وقد أخذت الملوثات تزداد منذ الثورة الصناعية ، فأصبحت بعد الحرب الأهلية الأمريكية مشكلة مزمنة في الولايات المتحدة الأمريكية ، حتى أن حجم الملوثات وسمكها بلغ في بعض المناطق حداً كبيراً ، بحيث تشكل غطاءاً كثيفاً يحجب جزءاً من أشعة الشمس من الوصول إل سطح الأرض ، كما هو الحال في مدينة نيويورك ومدينة شيكاغو . إذ تحجب ملوثات الهواء عن هاتين المدينتين ما بين 25%-40% من الأشعة الشمسية الساقطة . ومع أن الولايات المتحدة وكثيرا من الدول أقرت مجموعة من الإجراءات الهامة منذ عشرات السنين لمنع تلوث الغلاف الجوي ، فإن حالة الجو تزداد سوءاً عاماً بعد عام في جميع أقطار العالم ، لأن تلوث الهواء لا يعترف بالحدود السياسية والجغرافية بين الدول.
مصادر تلوث الهواء
يمكن تقسيم مصادر تلوث الهواء إلى نوعين رئيسيين:
أولاً / المصادر الطبيعية :
وهي المصادر التي لا دخل للإنسان فيها، هذه المصادر يصعب التحكم فيها أو منع انبعاث الملوثات منها مع أنها تلوث الهواء بكثير من الغازات والأتربة لكن الأضرار الناتجة عن تلك الملوثات الطبيعية للهواء ليست جسيمة إذ تأقلمت معها كثير من ألوان الحياة فوق سطح الأرض بسبب تواجدها أو تواجد الكثير منها في الهواء منذ بدء الحياة . ومن أمثلة هذه الملوثات الطبيعية :
1-
غازات ثاني أكسيد الكبريت، فلوريد الأيدروجين وكلوريد الأيدروجين المتصاعدة من البراكين المضطربة.
2-
أكاسيد النيتروجين الناتجة عن التفريغ الكهربي في السحب الرعدية.
3-
كبريتيد الأيدروجين الناتج عن انتزاع الغاز الطبيعي من جوف الأرض أو بسبب البراكين أو تواجد البكتيريا الكبريتية.
4-
غاز الأوزون المتخلق ضوئياً في الهواء الجوي أو بسبب التفريغ الكهربي في السحب.
5-
تساقط الأتربة المتخلفة عن الشهب والنيازك إلى طبقات الجو السطحية.
6-
الأملاح التي تنتشر في الهواء بفعل الرياح والعواصف وتلك التي تحملها المنخفضات والجبهات الجوية وتيارات الحمل الحرارية من التربات العارية.
7-
حبيبات لقاح النباتات.
8-
الفطريات والبكتيريا والميكروبات المختلفة التي تنتشر في الهواء سواء كان مصدرها التربة أو نتيجة لتعفن الحيوانات والطيور الميتة والفضلات الآدمية.
9-
المواد ذات النشاط الإشعاعي كتلك الموجودة في بعض تربات وصخور القشرة الأرضية وكذلك الناتجة عن تأين بعض الغازات الجوية بفعل الأشعة الكونية.
ثانياً / المصادر غير الطبيعية :
وهي التي تنشأ بفعل الإنسان وبالتالي يصبح بمقدور الإنسان نفسه أن يتحكم فيها ويمنع أو يخفض كميات الملوثات المنبعثة منها، هذه المصادر تثير العديد مما لا يمكن حصره من مواد ملوثة وروائح كريهة وضوضاء معظمها ضار بأشكال الحياة المختلفة لأنها حديثة التواجد في الهواء وتغير كثيراً من المواصفات والخصائص المعتادة لبيئة الإنسانية .
وأهم تلك المصادر :
1-
استخدام الفحم والغاز الطبيعي والمواد والمشتقات النفطية كوسيلة للوقود في الصناعات والحرف المختلفة ومصادر القوى والأغراض المعيشية المختلفة.
2-
الحرف و الصناعات المختلفة .
3-
وسائل النقل بأنواعها البري و البحري و الجوي.
4-
النشاط السكاني ويتعلق بمخلفات المنازل من المواد الصلبة والسائلة وكذلك بسبب كثرة استخدام المبيدات الحشرية و المذيبات الصناعية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Blogger Templates | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة